انتشرت في الآونة الأخيرة العديد من التحذيرات من الألعاب الالكترونية التي يسهل تحميلها على الأجهزة النقالة؛ فبعد الحديث عن مخاطر لعبة الحوت الأزرق، ظهرت لعبة ببجي والتي تتيح للمستخدمين على اختلاف اعمارهم الاحساس بالتواجد في بيئات مخلقة غير حقيقية يطلق عليها الواقع الافتراضي، حيث يمكن لتكنولوجيا كهذه تغيير قواعد السلوك الطبيعي ومشاعر الاستمتاع بأوقات اللعب، فيمكن للاعب المشي والقفز والمغامرة متحديا حدود وقدرات جسمه وما يمتلكه من أدوات؛ فتوفر اللعبة الأسلحة والمركبات وربما الطائرات وغيرها لتنفيذ مهام بمستويات مختلفة، يظل فيها العنف والقتل واستخدام السلاح هو الملمح الرئيسي وربما العامل الأساسي للنجاح في اللعبة، فهل ستسهم مثل تلك الألعاب في ظهور طرق جديده للتفاعل الانساني، أو ربما ينتج عنها أنواع جديدة من الجرائم؟ هل يمكن أن تحمل أيضاً تحديات ومخاطر؟ ولأي مدى؟
ببجي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة؛ فللتطور التكنولوجي الذي يشهده مجال المحاكاة والبيئات الافتراضية المخلقة يمكن محاكاة واقع غير موجود-قد يكون معركة حربية- بل وإتاحة الفرصة للمستخدم كي يتفاعل معه كما لو كان متواجداً فيه بالفعل، وذلك عن طريق أجهزة كمبيوتر عالية المواصفات من حيث المكونات الصلبة أو حجرات محاكاة مجهزة كالكهوف والمتاحف الافتراضية على سبيل المثال أو من خلال الهواتف الذكية المتقدمة وارتداء نظارات خاصة تتيح للمستخدم التواجد والتفاعل مع العالم الافتراضي الذي يستجيب أيضاً للحركات والإحداثيات الخاصة بمن يرتدي تلك النظارات والتي تزود أحياناً بمستشعرات خاصة تتيح للمشاهد التجول في الفيديو المسجل والدوران في أي اتجاه سواء رأسياً أو أفقياً وذلك أثناء تشغيل الفيديو مما يشعره بالتواجد في المكان الذي تم تسجيل الفيديو فيه، بل يمكنه التفاعل مع باقي المستخدمين\اللاعبين بالشخصية\المقاتل الذي اختارها سواء بالكلام أو تبادل اطلاق النار معهم بالصورة التي تحكمها مسارات اللعبة وتعطيه بعض الحرية للسير فيها. ومن حين لآخر نجد عناوين الأخبار التي توضح المدى الذي وصلت إليه مخاوف العديد من المجتمعات والدول من انتشار تلك الألعاب وفيما يلي على سبيل المثال بعض عناوين تلك المنشيتات الإخبارية:
1. 4 دول تمنعها.. “ببجي” تهدد العالم بالاكتئاب والعدوانية
2. لعبة ببجى تتسبب فى انتحار فتاة سعودية شنقا
3. هل تنضم السعودية للعراق والأردن؟ وهل هناك جدوى من الحظر؟
5. حظر ببجي في السعودية يتصدر تويتر من جديد
6. الأردن يحظر لعبة “ببجي” ومغردون: حلت مشاكل البلد!
7. مجلس الشورى السعودي يوصي بحظر ببجي
ما سبق يوضح المستوى المخيف في هذا المجال ليس فقط تقنيات اللعبة، بل وطرق التواصل التي قد تكون نقطة تحول جديده تعكس مخاوف من استخدام تكنولوجيات جديدة ومنها ألعاب المحاكاة بأهداف قد تقدم في اليد الأخرى ليس فقط النمط الذي نعاني منه حديثًا والمعروف بالجريمة الالكترونية، بل ما يمكن أن يتطور إلى اختراق المجال الادراكي للانسان مشكلًا ما يمكن أن يطلق عليه “الجريمة الإدراكية”، هذا النوع من الجرائم قد يستهدف بشكل رئيس اختراق المدركات والقناعات وما ينعكس على سلوك المستخدمين في أرض الواقع؛ إلا أن ذلك يتطلب العديد من الدراسات والأبحاث في المجالات ذات العلاقة بتكنولوجيا المعلومات والتعليم، وكذلك علوم النفس والدراسات الانسانية المتعلقة بمتغيرات هذا النوع من الألعاب، مما يفتح مجال خصبا أمام طلاب الدراسات العليا بالماجستير والدكتوراة على وجه الخصوص لدراسة هذه الظاهرة الجديدة وما قد تحمله من متغيرات لم يتعرض لها بالدراسة أي باحث وأي بحث تجريبي من قبل. ليبقى السؤال: من لديه الاستعداد لتبني تلك المتغيرات والظواهر في بحثه أو رسالته؟!
د. حسين عبد الفتاح