هل يمكن أن تتيح لك التكنولوجيا في المستقبل القريب زيارة صديق في منزله في بلد آخر أو ربما اصطحابه في رحلة لأحد معالم بلد ثالث؟ بل وربما الجلوس في أحد منتزهات هذا البلد وربما لعب مصارعة الذراعين دون حاجة أحدكما للانتقال من بيته؟ كيف يمكن لتكنولوجيا كهذه تغيير التعليم والتدريب واقتصادياته، هل ستسهم في إيجاد طرق جديده للتفاعل الانساني وربما أنواع جديدة من الجرائم؟ هل يمكن أن تحمل أيضاً تحديات ومخاطر؟ ولأي مدى؟
بالنظر للتطور التكنولوجي في مجال المحاكاة والبيئات الافتراضية المخلقة هناك ثلاث مصطلحات لتقنيات حديثة تبدو متشابهة أو متداخلة لكن لا تتساوى واحدة بأخرى بأي حال من الأحوال، ولا يمكن استخدامهم كمترادفات. كأحد عناصر الوسائط المتعددة المضاف حديثاً يشار إلى الواقع الافتراضي Virtual Reality – VR كونه تمثيل ثلاثي البعد للبيئات والنماذج سواء على شاشات الكمبيوتر أو بتقنيات عرض أخرى؛ بحيث يمكن محاكاة الواقع الفيزيائي الحقيقي بل وإتاحة الفرصة للمستخدم كي يتفاعل معه كما لو كان متواجداً فيه بالفعل، وذلك عن طريق أجهزة كمبيوتر عالية المواصفات من حيث المكونات الصلبة أو حجرات محاكاة مجهزة كالكهوف والمتاحف الافتراضية على سبيل المثال أو من خلال ارتداء نظارات خاصة تتيح للمستخدم التواجد والتفاعل مع العالم الافتراضي الذي يستجيب أيضاً للحركات والإحداثيات الخاصة بمن يرتدي تلك النظارات والتي تزود أحياناً بمستشعرات خاصة. وتعد تقنية الفيديو المحيطي 360º أحد أشكال الواقع الافتراضي والذي يتيح للمشاهد التجول في الفيديو المسجل والدوران في أي اتجاه سواء رأسياً أو أفقياً وذلك أثناء تشغيل الفيديو مما يشعره بالتواجد في المكان الذي تم تسجيل الفيديو فيه وهناك العديد من الأمثلة على كل من موقعي فيسبوك ويوتيوب؛ هناك نوع آخر من هذه التقنية لكنها غير مسجلة بكاميرا فيديو بل مولدة عن طريق الكمبيوتر وتعرف بـ Computer-generated VR – CGVR وهناك نوع يدمج بين الفيديو الحقيقي المسجل والواقع الوهمي المولد عن طريق الكمبيوتر وهو النوع المستخدم في عدد من الألعاب التي تحاكي المكان والأحداث. أما الواقع المعزز وما يعرف بـ Augmented Reality – AR فيتسم أولاً بأنه مباشر غير مسجل، مضاف للواقع الفعلي الفيزيائي ولا يستبدله، على عكس الواقع الافتراضي الذي يستبدل البيئة الحقيقية بأخرى افتراضية. ونعني بذلك إمكانية إضافة عناصر افتراضية كالنص والصوت والصور … الخ إلى الواقع الحقيقي الفيزيائي وذلك عن طريق الكاميرات المدمجة بالأجهزة المحمولة وبالاستفاده مما يتوافر بها من مستشعرات الاتزان والجاذبية الأرضية والاحداثيات، لكن تجدر الإشارة إلى أن رؤية العناصر الافتراضية في الواقع الفيزيائي لا تعني تفاعل كل من الواقع الفيزيائي والعناصر الافتراضية مع بعضهما البعض لكن يمكن للمستخدم التفاعل مع تلك العناصر الافتراضية بأشكال مختلفة، وتعد نظارة جوجل التي تمكن المستخدم أثناء قيادة الدراجة على سبيل المثال من رؤية الطريق مزود بعلامات ارشادية ولافتات افتراضية ونظام تحديد المواقع العالمي GPS من أولى تطبيقات الواقع المعزز.
وأخيراً الواقع الخليط وما يعرف بـ Mixed Reality – MR والذي يعرف أيضاً بالواقع الهجين Hybrid Reality – HR وهو يختلف عن الواقع المعزز في تفاعل كل من عناصر الواقع الحقيقي وعناصر الواقع الافتراضي الرقمية واستجابة أحدهم للتغير في الآخر وتواجدهم في نفس المكان مما يخلق بيئة جديدة من أمثلتها ما يعرف بالعدسات الهولوجرامية التي تعكف ميكروسوفت على تطويرها وكذلك تقنية الانتقال الآني الهولوجرامي Holoportation والتي تمكن المستخدمين من الانتقال وإجراء المقابلات في بيئة فيزيائية حقيقية جديدة بل والتفاعل بين المستخدمين في هذه البيئة.
ما سبق يوضح المستوى الجديد والمخيف في هذا المجال ليس فقط تقنيات العرض، بل والتواصل التي قد تكون نقطة تحول جديده في الحضارة البشرية تضاهي أهميتها من ناحية اختراع البارود لاكتشاف ثروات الجبال، والتي قد تعكس مخاوف على الطرف الآخر لاستخدام التكنولوجيا بأهداف قد تقدم في اليد الأخرى ليس فقط النمط الذي نعاني منه حديثًا والمعروف بالجريمة الالكترونية، بل ما يمكن أن يتطور إلى اختراق المجال الادراكي للانسان مشكلًا ما يمكن أن يطلق عليه “الجريمة الإدراكية”، هذا النوع من الجرائم قد يستهدف بشكل رئيس اختراق المدركات والقناعات وما ينعكس على سلوك المستخدمين في أرض الواقع؛ فإلى أي مدى نحن جاهزون؟
د. حسين عبد الفتاح
Abdelfatah, H. (2016). Cyber Learning from Reality through Virtuality to Holoportation: Status-quo and a Proposed Model for Closing the Gap in Africa. ASRO Journal of Education, 1(2), 28-38.
مصدر الصورة: Holoportation: Virtual 3D Teleportation in Real-time (Microsoft Research)